إن منهج الشريعة الإسلامية في المحافظة على مقومات الكيان المعنوي للإنسان لم يترك جانباً من الجوانب التي يمكن أن ينطوي المساس بها على إيذاء له إلا تناوله بالضبط والتوضيح، وشرع له من الأحكام ما يخفف من إيذائه ويعالج الأضرار الناشئة عنه وذلك إعمالاً للقواعد العامة القاضية برفع الضرر والتعويض عنه وتقرير أحكام الضمان للآثار المترتبة عليه.
لذا جاء موضوع هذا البحث في محاولة لإبراز أهمية هذا الجانب المعنوي في حياة الطفل والذي يعتبر أهم جوانبها قاطبة، وبالتالي فإن الاعتداء عليه يكون له أثر واضح في مسيرة حياة هذا الطفل بشكل سلبي، وهو ما يضحى معه القول بأن واجب الحفاظ ومعالجة آثار الاعتداء عليه يصبح أمراً ضرورياً.
والناظر في الإحداث يجد أن الضرر المعنوي الذي يلحق بالطفل لم يعد مجرد حدث فردي عارض، وإنما أضحى ظاهرة سلبية من ظواهر الواقع الاجتماعي التي يقصر الجهد الإنساني مهما ارتقت ملكة التبصر عن القضاء على أسبابها أو حتى توقي حدوثها.
ويترك الاعتداء على الأطفال بمختلف صوره مجموعة من الآثار النفسية والاجتماعية الخطيرة التي قد تؤدي إلى تجريد الطفل من إنسانيته ومن شعوره بالأمان مع الوضع في الاعتبار أن هذا الشعور ضروري من أجل تطور نفسي واجتماعي سليم للطفل، كما أن حرمان الأطفال من التعليم أو ضربهم والاعتداء عليهم جسدياً أو جنسياً أو الإساءة إليهم لفظياً يحدث آثاراً نفسية سيئة بعيدة المدى قد تؤدي إلى بناء الطفل على نحو مختلف يسبب آثاراً مدمرة من الصعب تفاديها مستقبلاً.
وعلى الرغم من أن الضرر المعنوي والتعويض عنه قد شكل محلاً للعديد من البحوث والدراسات السابقة، وهي أهمية تُستمد في الواقع ليس فقط من كون البحث يتناول موضوعاً ما زال يشكل محلاً للجدل والنقاش في الفقه، وما زلنا من ثم في حاجة إلى العديد من الدراسات الشرعية والقانونية المتعلقة به لإعانة المنظم السعودي على حسم موقفه من المسألة. وإنما أيضاً في كونه لا يعالج الضرر المعنوي بصفة عامة، وإنما يتناوله بالنسبة للطفل على وجه التحديد، وما يعنيه ذلك من خصوصيات عديدة يُفترض أن ترتب آثاراً مختلفة عند تقدير مدى وطبيعة التعويض الجابر له.